آهات عراقية من الدانمارك


خلدون جاويد

تجربة لجوء وتلمذة في كوبنهاغن :

حصلت على الاقامة في الدانمارك في ظروف قاسية ، اذ جرى حشرنا جميعا في مجمعات
سكنية، وكان لزاما علينا ان نتعايش ونلتقي كل يوم في ممرات الكامب او قاعة
الطعام بمئآت او عشرات الناس ومن جنسيات مختلفة ... كنت التقي بالديموقراطيين
من العراقيين فهم في نظري الأحب مجلسا ، الأثقف ، الأكثر تعددا وانفتاحا على
الفكر والفنون والثقافة ... كانت ايامنا تقضى بنوع من الجدوى الاّ انني كنت
ايضا اهرب من لقاءات عادية . كتبت شعرا كثيرا أيام 1991- 1992 . اسهمت باصدار
مجلة ، راسلت الكثير من الصحف قرأت كثيرا ... واختبأت كثيرا في حجرتي حتى اني
كنت اضع اذني خلف الباب قبل فتحها لمجرد حاجتي للذهاب الى حجرة الاستحمام ..
كنت محطم الاعصاب لا أطيق اللقاءات السطحية .
الخطأ الكبير الذي تعرضت له هو انني لم استطع دراسة اللغة الدانماركية أيام
انتظاري لصدور اقامتي ، وذلك لتحاشي الاختلاط بالناس المتعبين . بدأت في النصف
الثاني من عام 1993 وعمري آنذاك خمسة واربعون عاما وقد استطعت حتى الآن انجاز
مايعادل تسعة اعوام من التلمذة وبقي ان اواصل ستة اشهر اخرى حتى استطيع الدخول
الى الجامعة لو رغبت .
اللغة بحد ذاتها صعبة للغاية لايمكن مقارنتها بالروسية او الفرنسية او
الانجليزية واذا كانت الأخيرة اسرع نطقا من سواها فان الدانماركية تنطق لكي
تكتم وتوضح لكي تدغم وتقاء لكي تبلع ! او كما وصفها احد الأطباء الدانماركيين
الذين اراجعهم بان طريقة لفظها مثل شخص يتكلم وهو يضع في فمه قطعة بطاطا ساخنة
!.
لم اذهب الى قاعة الدرس يوما من دون ان اعود معانيا من الحموضة القاسية في
معدتي اذ كيف لي ان اجلس مع تلاميذ افهم لغتهم عندما اقرأها ولا استطيع ذلك
عندما اسمعها الا لماما ... حبست نفسي لأيام واشهر وسنوات ، وفي حجرتي كيما
استمع الى الكاسيتات الخاصة باللغة وأقرأ الكتاب المرافق للكاسيت ، مع المواظبة
الجادة في القراءة والكتابة والتحضير والذهاب الى الدرس وانا غير مؤهل صحيا
للانضباط والالتزام بوقت الدراسة وظروفها ، ومع اني اقر بضرورة تعلم لغة البلد
المضيف ، الاّ اني من جهة اخرى ارى ان سياسة البلدية المحلية قاسية نوعا ما في
فرض ان يتعلم انسان ما بهذا العمر ( خمسون عاما ) ان يتعلم أي شئ خصوصا اؤلئك
القادمون من ظروف الحرب او الديكتاتورية الجهنمية ، واعني بذلك عامدا ومتقصدا
في ان ارفع خطابي الى محامي يدافع عني وعن اضرابي في اننا هؤلاء الصنف من الناس
مسكونون بالوجد مثخنون بالكوابيس فكم من ليلة كنت قد تسهّدت حتى الصباح ... كم
من ذكرى قاسية قضّت مضجعي ... كم من مناديل تحت الوسادات ... كم من محاولة على
القراءة لم تسفر الا عن الشرود وعدم التركيز وبالتالي عدم الفهم واعادة القراءة
لعدة مرات حتى تنجز مهمة الولادة العسيرة . وقد قالها الشاعرالعبقري ابن ملاّ
خريبط الخرْطَوي: " اذا كان الدماغ دماغ سز ٍ ... فلا  سعيٌ يفيد ولا اجتهاد ُ
" .
  كم من قصيدة طرأت ليلا لتسجل همي الصغير المتواضع لو قورن بالهموم بل
مسؤوليتي ازاء وطني وناسي في ان تكون القصيدة ثمرة الأرض التي اقدس والتي هي
اعز بآلاف المرات مني ومن أي شأن آخر . الشعر اثمن من العمر قاطبة وانا مبتلى
به منذ طفولتي بل منذ فقداني المبكر واغترابي بل تغربي عن البيت الاول بيت امي
التي غادرتنا الى غير رجعة وجحيم الاب المهيمن الذي سحق هاماتنا وارواحنا الى
غير رجعة ايضا ...
في ذلك الخضم ، وردت رسالة جرى بموجبها قطع المساعدة الاجتماعية – لقمة العيش –
فتألمت على ألمي ( دخت على دوخاني ) وكتبت الرسالة تلو الاخرى حتى نجوت
بالألتحاق بمدرسة لتعلم الكومبيوتر واخرى لاستكمال مستواي في اللغة الجهنمية
الدانماركية ... والمرأة ( الخاتون ) التي زادت الطين بلة هي المسؤولة في مدرسة
اللغة في هيلاغوذ ... كان اسمها لونا ... لونها الله بالأسود والكحلي والقطراني
... لقد كتبت لي على ورقة الواجبات اليومية بأني غير جدير بالجلوس في المكان
الذي انا فيه وان مستواي ضحل بالنسبة الى التلاميذ والتلميذات في الصف ، ويومها
ذهبت كالذئب الجريح الى البيت ... كانت تلك الظهيرة التي عدت فيها ظهيرة عزاء
غنيت فيها آلامي ودرت في جنبات البيت حزينا . تذكرت كيف اني في ايام شبابي
وبالذات في الدورة التوجيهية ( في الأعظمية ) قد رفعت معدلي ودخلت الجامعة
وأخذت ( والله شاهد على ما أقول ) أخذت 98 من 100 بمادة الاقتصاد وكيف اني حفظت
بل كدت احفظ عن ظهر قلب كتاب الأديب برناردشو سيدتي الجميلة ( بيجماليون ) في
كلية الآداب واني نجحت في الجامعة رغم اني لا احب اللغة الانجليزية ! درت في
جنبات البيت حزينا ، غنيت آلامي وعرجت على المقام العراقي وقليلا من الابوذية
... بدأت من قصيدة ( أبو جاسم ) الاستاذ محمد القبانجي والتي اجترح فيها يوم
وصله خبر موت ابيه مقام اللآمي حيث غنى " علام الدهر شتتنه وطرنه ؟... " وعرجت
على قصيدة لعبد القادر رشيد الناصري " في الأعظمية يوم جئت وجئتها ... روح على
شفتيك قد ذوّبتها " وانتهيت الى " سكران بمحبتك مايوم انا صاحي بك " وبانعطافة
غير مسؤولة وجراء الشرود رأيتني اغني القصيدة التي كتبها شكسبير ! " اليوم أجمل
يوم عندي ... ويه اخوتي صرت جندي " ...
أما لونا هذه فقد فارقتها بدون ادنى سلام بينما ارسلت ( كارت ) جميلا للغاية
الى زميلتها التي تتناوب معها على تدريسنا مع دواويني الشعرية التي اصدرتها
حديثا ، والقصد من ذلك هو ان اشعرها أي ( لونا ) بأني لا أحترمها وذلك لقساوة
مارستها ضدي .
وبما ان الزمن دوار فقد ارسلني مرغما اليها من قبل البلدية التي تجبرني على
الدراسة او العمل المتدني النوعية ولأني لا اسمح لنفسي ان اكون يد عاملة رخيصة
– في عالم الشغل او غيره فاني آثرت الذهاب الى لونا . اللعنة يافخامة المدام ،
اريد ان ادرس ... مارست هي على طاولة اللقاء كل انواع الألاعيب و ( الحنقبازيات
) وانتهت الى ارسالي الى مدرسة عليا تريد بذلك اسقاطي من اعلى حافة لأعلى جبل
!. وبقرارها هذا حرمت من فضيلة واحدة ومهمة هي اني لو بقيت معها او في مدرستها
لجلست الى جانب التلاميذ الأجانب الذين لاحدود لأخطائهم وأغلب مداخلاتهم
اللغوية كسيحة بل ( خيطي بيطي ) وان هذا الأخير يناسبني كثيرا فلا يعقل ان اكون
من هذه المجموعة المذكور اسم مداخلاتها اعلاه ، واذهب بذات الوقت الى المدرسة
العليا للجلوس مع الدانماركيين الذين لايستفسرون عن معنى كلمة ولا تعوزهم لباقة
، كل تلميذ منهم كأنه ماكنة خياطة او بلبل هزار وأنا سأضع رأسي الخمسيني
مابينهم وكل همي هو ان لا أكون طائرا شديد الغرابة او بوما فاقعا . وذهب الى
تلك المدرسة تلاحقني لعنات لونا وسخريتها وانتقامها .
آثرت الدخول الى قاعة الدرس قبل حضور الاستاذة ( كان اسمها كارين ) ... دخلت
راسما على هيأتي نوعا من اللآابالية ... ما ان جلست في مكان ما كيفما اتفق –
وسط خمسة رجال واثنى عشر امرأة حتى دخلت الاستاذة . كانت شفيفة ذكرتني
بالاقحوان والنرجس ... تقدمت نحوي ... صافحتني ... شكوت لها ما انا عليه ، فورا
وبلا سابق انذار ورجوتها ان تقدر وضعي الاستثنائي – طبعا بلغة شبه ( امكسره )
.. كانت لحظتها رقيقة معي وظلت هكذا طيلة الوقت ... وكنت أضع يدي على خدي وأنا
اتطلع اليها كل صباح وهي تشرح لنا الدرس . وبعد ان ملأ الأمان قلبي كونها لن
توجه أي سؤآل لي تحرجني به فقد أخذت اسرح بأفكاري بعيدا ،،، نصف وعيي مع ماتقول
والنصف الآخر مع نحولها النرجسي ... نغم دائم تلبسني طيلة الوقت يموسق داخلي
وأنا اتطلع الى ميلان شعرها والتواءة خصرها وكلما انسابت يمينا او انعطفت شمالا
تهدجت روحي بالنغمة الملازمة لي " النرجس مال ... يمين واشمال ... على الأغصان
في تيه ودلال " . او ان اجنح الى اغنية هائلة الروعة استمعت اليها في ليلة صيف
دمشقية ... " الورد ابوك والبنفسج عمك ... والفل خالك والياسمين امك .. "
ومع ذلك السرحان فقد نجحت بعد ستة اشهر ... أي رغم الأرق والمعاناة النفسية 
... والبكاء كل يوم ... وللحق أقول ان الدموع اخذت تنساب بلا خجل امام زوجتي في
متجر للسوق ، او وراء عجلة قيادة السيارة... او في الصالة حيث اجلس بين اطفالي
.. اصبحت الدموع انسيابا لايقاوم . حاجة وقوة داخلية لاتقاوم ... اتذكر انها
كحالة يومية بدأت معي منذ 1986 وسبب ذلك هو الخيبة ... ومادمت ادرك ذلك فاني
رفضت ان تجلب لي المشرفة الاجتماعية طبيبا او موظفا صحيا كي يصغي لأحاديثي ، في
حالات معينة يكون الاصغاء نوعا من الدواء ، وعقد علاقة حضارية ، صداقية الطابع
مابين المريض والطبيب المعالج هو انعكاس لانسانية رفيعة المستوى ، أي تماما
مثلما يحدث في بلداننا عندما ( يدوخ ) المرء ويفقد توازنه ليجد نفسه متورطا في
حوار مع الذات بحركات الأصابع او التحدث مع نفسه بصوت عال فاذا به يتلفت ليرى
وراءه جيشا من الاطفال تلقمه بالقشور وتغني له النشيد الوطني " هي ... هي مخبل
" . رفضت دعوة زوجتي التي رأتني أبكي وأنا أتبضع معها في سوق عام في ان اذهب
هذه المرة الى الطبيب كما ان ابني الكبير ( 16 ) عاما قد اكد هو أيضا على
اقتراح الوالدة . لعنت حظي ومضيت لأنزوي شر انزواء . لقد حولت غضبي الى معنى .
كان نجاحي هذه المرة عاصفا وغير متوقع . اذ مارست طيلة الأشهر مع الدانماركيين
الاختباء المنظور أي ان اكون امامك ولاوجود لي من الناحية العملية ، ارفق ذلك
بأن أقول جملة واحدة كل يوم ... ارفع سبابتي وأسأل سؤآلا أو اعلق تعليقا واحدا
فقط أي اني اسجل حضورا واهرب وسط الحاضرين ولا انبس بأية كلمة بعد ذلك حتى لحظة
المغادرة وعندها وحتى لا أكون جافا اتحدث مع هذه او تلك وامضي الى البيت لأقرأ
بغضب بل اراكم الهرم الضروري من أجل الانتصار النهائي على الامبريالية
والصهيونية والرجعية ! ولكن الذي حدث والذي لاتحمد عقباه ان الاستاذة – هذا
النرجس الشوكي ! – قد طلبت من كل تلميذ ان يجلس في بداية القاعة ويتحدث باختصار
عن كتاب واحد يختاره ويعلق عليه .
كنت قد اخترت كتابا للأديب الدانماركي الشهم ( هينس شيرفي ) وهو كاتب شيوعي
مرموق اخترته كي اكايد به الأوغاد من الادباء ولكي أقول للآخرين انظروا اية
ضرورة كونية الطابع للشيوعية في وقتها ... لقد كشف هينس شيرفي في كتابه ( هذا
الربيع المهمل ) عن انحطاط النظام التربوي في المدرسة والحياة الاجتماعية قبل
الانتصار الحتمي ( او التكتيكي ) للاشتراكية الديموقراطية ... واعني هنا
بالتكتيكي على سبيل الاستطراد ان رئيس وزراء سابق ، يدعى ( ستاوننغ ) كان قد
غلف هذه البلاد بالاطار الاشتراكي الديموقراطي فأبعدها عن الميل الى الشيوعية
العاصفة بوقتها – هذا من جهة – كما ابعدها من جهة اخرى – عما حل ببعض الدول من
صراع طبقي ضروس ( المانيا ، ايطاليا ، اسبانيا ) اسفر عن ظهور دكتاتوريات
وفاشيات ( يمينية ) معروفة .
في 22 /4/ 1998 صباحا في الساعة العاشرة واربع دقائق وسبع وعشرون ثانية تقدمت
من طاولتي الى منصة الاساتذة كي استعرض الكتاب . ماكان ذلك ليخيفني وانا الكثير
الحضور أمام جمهور الشعر والأدب وفي أماسي ودعوات عديدة ولكن ماكان يخيفني حقا
هو احتمال ان احتاج الى هذه الكلمة ام تلك ، او ان ألفظ مالايستطيع زملائي ان
يفهموه ...
استرخيت على الكرسي كما لو أكون في حضن امي او ابي ، نظرت الى الحضور بهملتة
متناهية أي كما لو اكون هاملت المفجوع بالسخرية والخراب .... ولا أدري لماذا
تذكرت استاذي الأريب ثامر مهدي الذي درسنا في معهد التدريب الاذاعي كل من مادة
المسرح والفلسفة وكذلك في نفس المعهد الأساتذة الاجلاء صادق الأسود وعلي الوردي
وفي الجامعة كل من عناد غزوان وعبد الواحد لؤلؤه وحسين حمزة والدكتورة نادرة
وشاكي وبهيجة وسهيلة وكمال نادر والتربوي المعروف استاذ الاساتيذ حمدي يونس وكل
الرائعين الذين علموني او علموا اضرابي ... انا ابن اؤلئك الأفذاذ ... انا
عراقي ... انا من بلاد الرافدين ... انا ابن كوفتك الحمراء !!!! بتلك التعاويذ
والأدعية والأبخرة والآيات والرشوش و ( السبع مايات ) اعطيت دفعا لنفسي في
مقاومة لحظة غير طبيعية في حياتي العلمية ! واضافة الى قدراتي الذاتية وثقتي
بنفسي لم أنس ان ابسمل واحوقل وان اتذكر امي التي رفعت أخي الصغير من مهده وهي
تهرب من افعى تنساب تحت قدميها وهي تقول بكل ثقة وحزم ( ياعلي ) .
قلت محاولا تغطية اضطرابي بتسديد ضربة كوميدية ، قلت لهم على طريقة سامي عبد
الحميد في مسرحية بغداد الأزل : " يا أيها الحضور الكريم . سأشرح لكم الآن
باللغة الدانماركية ، أما اذا لم تفهموا ما سأقول فسوف اوضح ذلك باللغة العربية
. "
  انفجرت القاعة بالضحك ... واصلت متحدثا وبدون ادنى اكتراث لوجودهم جميعا !
واصلت باللغة العربية وبحركات مسرحية خفيفة مع ابتسامة ساخرة ضمنتها كل آلامي
الروحية وسخرية القدر وهذا السخف الأخوي الاشتراكي الديموقراطي ضمنتها ديباجة
الموت الذي أحياه ، وخزيني المتراكم باللوعة المكتومة والملعونة ، لوعة وجدت
الآن لحظة انتصارها على مستمعين مأخوذين بانتفاضتي المنسقة وفوضاي المنسابة ،
بحامل الناي الذي يجر بأنغامه فئران المدينة ... قلت وباللغة العربية ، اسمعوا
ووعوا ... ان هذا الكتاب الذي بين ايدينا هو بكل فخر لكاتب المعي ( يسوه راسكم
) انه المهذب هينس شيرفي ، انه وان كان دانماركيا فانه ( عاني ) ! وفي رواية
اخرى كبيسي " يلي تريد الحسن ... لكبيسه روح وشوف " " واوكف بدرب الهوى ...
وتمر عليك اخشوف " . هل فهمتم ما أقول ؟ اليوم تلقون العذاب الأكبر  ! على يد
قادريةْ بنت الأزور !
اعطيت النبذة المطلوبة ، والتسلسل الواقعي للكتاب وتعليقي على الأحداث ، باللغة
الدانماركية طبعا ، وعندما قارنت واقع المدرسة الدانماركية في الخمسينات بواقع
مدرستنا الحالية او أيام طفولتي ، لم أنس َ ( الملاّ ) والفلقة والحفظ الارغامي
عن ظهر قلب لكل شئ في حياتنا ابتداءا من حفظ القرآن الكريم الى النشيد والقصيدة
وجدول الضرب بالضرب ! والكلمة معناها وتهجّي حروف اللغة الانجليزية باتقان
وبسرعة ومن دون تفكير وندو ، دبيليو آي اَن  دي او دبليو . بايسكل ، بي آي سي
واي سي ال ايي. كاب : سي يو بي ! !!!!!!!
وتذكرت الصفعات التي كنت اتلقاها وبكائي الشبيه بالعويل تحت يد أبي الثقيلة
وعصا الرمان التي كان يتفنن باختيارها ويضربنا بها فردا فردا او فرده فرده –
لايهم -  وبضمنهم امي الكريمة التي تنالها حزات وشطبات دامية من العصا . كان
يعلق عصاه على الحائط كيما تذكرنا به حاضرا ام غائبا ... كانت جلودنا من اثرها
خضراء زرقاء حمراء بل كل الوان قوس القزح الأرضي والسماوي . وفوق ذلك ، وفي ذلك
الصيف ( الحنّاني ) – طبعا لم استطع ان اترجم لهم كلمة الحناني لأني لا أعرف
معناها بالضبط ، وفي ذلك الصيف كان يضعني في البيتونة فأتصبب عرقا واذوب جوعا ،
وحتى يأتي من المقهى أشرف على الهلاك وبدلا من ان يلين قلبه لمرآي كان يخرجني
ليبصق بوجهي ويركلني بكل ابوّة كيما اذهب لأنام فوق السطح – والكلام بيناتنا –
كانت امي تناولني الطعام والماء وهي تراقب الباب مخافة ان يقدم مجأة ، وكان
يقول ان العصا لمن عصا " وان " العصا خارجة من الجنة " .. كل ذلك وغيره قد
ذكرته في معرض الحديث عن كتاب هينس شيرفي مقارنا ماكان يدور في المدرسة
الخمسينية من اضطهاد للطفل بما لاقينا ونلاقي من عذاب لأتفه الأسباب في عوائلنا
ابا عن جد ... أبي هو ذاته كان يذكر لي كيف ان امه كانت تعتصر رأسه او رقبته
بين قدميها لكيما تحكم السيطرة على فكيه – مع مساعدة آخرين – وان تضع الفلفل
على فمه وتمسك بالابرة فتغرزها عشرات المرات على الشفة الطفولية الرقيقة
المدبوغة او المرشوشة بأشد انواع الفلفل سعيرا !
ولقد ادعيت بطولة هذه الحادثة او عذاب الضحية لنفسي . حدثتهم عن الثكنة شبه
العسكرية التي تدعى مدرسة وعن الضرب والاهانات – وطبعا لايزال في مخيلتي شبح
استاذ ( محمد ) معلم الانجليزية في مدرسة العسكري في العيواضية عام 1957 وهو
ينزل السلم وقد ضربني بحافة مجموعة من الكتب على رأسي الصغير وانا انزل السلم
امامه في ( فرصة ) يفترض انها للراحة وليس للبكاء والألم المبرح . اخبرتهم بما
اعايشه من قراءآت دانماركية واطلاع ضروري في هذا الصدد وكيف ان احد المثقفين
المهمين في الدانمارك قد تناول موضوع ضرب الأطفال في بلده  . لقد كان ذلك يجري
ولفترة قريبة أي في الخمسينات وبعدها بدأت الحملة عاما بعد عام حتى منع القانون
ضربهم رسميا عام 1997 . وفوق ذلك يستطيع ان يستنجد الطفل بالشرطة . ونحن ، رحمة
الله على المتنبي القائل : " كم شهيد ٍ كما قتلت ُ شهيد ِ" نحن ملآى ارواحنا
بذكريات ضرب وايذاء وكسران خاطر واهمال ونسيان وجوع وارغام واسكات ومقاطعة وزجر
. كان الدانماركيون يصغون لي بكل اعتناء ، كنت اقرأ ذلك في العيون ، انهم
انسانيون حد اللعنة .... لقد تعلمت منهم ان لا اقتل ذبابة او نملة او أي مخلوق
... ما أهمية ان أقتل الكائن الحي الصغير او الضعيف اذا كنت استطيع ان ابعده
عني .. ان ذلك اطيب لهدأة الروح . قلت لهم انا مسلم لكني ايضا احب بوذا في
فلسفته الهائلة الروعة : السلام الذهني وهدأة البال كأرقى قيمة مبدأية يصلها
المرء ، وأنا مع مسيح المحبة القائل : دعوا الأطفال يأتون اليّ ... وأنا مع
ماركس العظيم في العدالة الحقة للشيوعية وبأن يشيع كل شئ في الحياة المأكل
والمشرب والملبس والفرح والسلام . أنا مع الحبيب على روحي الشاعر الأعظم من
نزار وألف نزار ألا وهو حسين مردان القائل " وهمت بالكأس افني في قرارتها ....
ما خلّف الدهر من عمري وأيامي " اتعلمون بأني لسوء طالعي ماعدت اقوى على النوم
الاّ بمدد من ابنة شعير او عنب . واني لاقسم بأني نجحت بكل امتحاناتكم وانا
سكران وضجر وغائب وكئيب . اذا شأتم اسألوا لبيبة ! لكن المهلبية ( أي الدماغ )
قد انهرست وتراخت وضعفت وبات من الصعب عليها التركيز . واذا كان هينس شيرفي قد
قتل المعلم ( ليكتور بلومه ) في روايته او واقعه ، فاني لااقوى على ذلك ، صحيح
اني آمنت بالثورة لكني ومنذ طفولتي وعندما سحقت نملة فاني كتبت عنها ثلاثة
ابيات خوالد من الشعر :

يانملة أثمت في سحقها قدمي
من ذا سيغفر لي مهما سرى ندمي
الروح ازهقتها في نملة رشفت
ماء البراءة من ضعف ومن سقم ِ
تمشي وحبتها تزهو على فمها
والحال قد سُحِقتْ من حبة ٍ لفم ِ

ان حادثة لكتور بلومه تحفزني على قتل اعدائي ولكن ( منين ياحسره ) هل استمعتم
الى اغنية ( آكلك منين يابطه ) ان وضعنا واستفساراته الثورية لأكثر فجائعية من
أغاني صباح ... كما ان الثأر يذكرني وبهذا العمر بامرئ القيس عندما غادر الى
الأناضول وارتدى الثوب المسموم . وقرأ بائيته الحزينة حد المرارة . ومع ذلك
فسوف أثأر ولكن أثأر منين يابطة ؟ ! !! انا راض ٍ بمأساتي ومخذول وملتبس وحزين
واتلذذ ! احيانا بالعزلة المريرة وشفيعي في ذلك حالتان اولاهما الاستفسار
وثانيهما الحسم وحسب عبد الوهاب فالماضي عندي هو بكل اختصار " كل ده كان ليه "
أما الذي يليه فهو بلا أدنى تباكي اغنية لعبد الوهاب ايضا وهي " من غير ليه " .
هذا ماحدث وبلا ادنى تزويق واذا احببت يارفيقي يادونكي شوت ! ان تستمر في ان
خطنا العراقي في مسار الحضارات قائم على طفولة مركولة ورجولة مقتولة ... لكنني
وانا الهارب من رجولة عراقية الى الدانمارك فاني قد قرأت بأن على الكبير اظهار
الاحترام للصغير في خطة ثلاثية 1- اثارة الطفل الساكت بالسؤآل . 2- التحاور معه
وجذبه الى اجوبة واسئلة . 3- توسيع مساحة المشاعر والتحابب . هذا هنا في
الحضارة الشمال اوروبية أما هناك وحسب تربية ومنطوق وقاموس أُم علاوي التي
لديها عشرة أطفال يصعب السيطرة وفي كل الأحوال على واحد منهم فان الطريقة
المثلى في تربيتهم هي الصندل وبالعراقي النعال اذ يجري تصويبه بكل دقة وامعان
الى أي واحد منهم واصابته في الجبين او على مناطق جرى التدرب عليها بالمراس
اليومي كالرقبة والصدغ والعين او الانف والاذن والحنجرة ! .... وبعد ذلك فان
شرط ام علاوي – مادمنا بهذا الصدد – الذي لاتتنازل عنه ان على الطفل الذي صوّب
اليه الماخوذ " النعال " تقع مسؤولية اعادته اليها ، الى حيث تحتفظ هي بأحذية
الاطفال جميعا  بالقرب من يدها عند باب الحجرة مكان انطلاق صواريخ سام . ام
علاوي أكبر نيشانجية تربويا ! .
ظللت أتأمل سخف المقارنة بين التعذيب الجسدي او النفسي ومن ياترى يقوى على
اعطاء فتوى بذلك ! أيهما الضرب او التخويف والارهاب ... هناك آباء اذا دخلوا
البيت تنهض العائلة جميعا ، وان زمن تواجدهم فيه زمن مشوب بالخوف والخطورة ، أي
كما يقول أحد أبطال الرواية بأن الفترة الخطرة من النهار هي من الصباح حتى
العودة الى البيت – أي العودة من المدرسة الدانماركية الجهنمية في ذلك الوقت -
.
ماهي أهمية ان نضرب انسانا رقيقا غضرا كالطفل ؟ ماهي الاوسمة التي نضعها على
صدورنا ونحن نزجر الشفاه العذبة الصغيرة ؟ ان تجاوز الحدود الشخصية وسحب حالة
الرعب والصراخ والعنف من واقع مشكلة بين شخصين او زوجين الى عالم الطفولة هو
مسألة اخلاق ومسؤولية وأمانة ! وكذلك الحال عند هينس شيرفي ... ان اوضاع الحياة
العصابية والاخلاقية للاساتذة واسلوب الحياة ذاتها منعكس على المدرسة بوقتها
وهنا اقتطع جانبا من مقالة للكاتب الدانماركي كاي اولبيك سيمونسون : "من المسلم
به ان التربية كانت خشنة وفي كل من البيوت الكثيرة والمدارس كانت هناك ممارسة
للضرب ، باليد او العصا لما هو كبير او صغير من الاساءآت او فقط لأن ذلك هو جزء
من الاعداد الى الحياة العنفية للمجتمع . كان على الاطفال ان يكونوا راضخين ،
متواضعين ، ومطيعين . ان أطفال العامل يتركون الدراسة في سن مبكرة . وفي الرابع
عشر من العمر ، بعد التعميد يجب عليهم ان يعملوا شيئا ما ، أما كسعاة او اطفال
للمساعدة في العمل ، والبنات كخادمات . وفي اكثر المصادفات حظاً يجري وضعهم عند
معلم الورشة ، وكانت العلقة غذاءا يوميا . انه من النادر ، الى حد عام 1940 –
1930 أن يأخذ اطفال العمال امتحان الدراسة الثانوية او فرصة الحصول على تعليم
عال . "
" ... في عام 1997 قد منع ضرب الاطفال ، وقبل ذلك كان ممنوعا ان يضرب الأب
اطفاله ، وقبل ذلك كان ممنوعا ان يضرب المرء الاطفال بقسوة وقبلها ضرب الصناع
ومتعلمي المهنة والخدم . "
وهنا اجدني باحثا عن المسافة الزمنية مابين الدانماركيين وبيننا من ناحية تربية
الاطفال ... قلت لزملائي وانا لا ازال ( أناحِط ) مثقلا بانجاز مداخلتي مرعوبا
من ان لاتكون المداخلة على طريقة " آه ديكي  نحباني للو " ... قلت يعني ان
حضراتكم ، ولقبل خمسين عاما فقط ليس الاّ ، كنتم مثل ام علاوي ! المهم لديكم
الآن نظام ديموقراطي – على راسي – وقوانين جديدة تخدم ذلك ، ونحن لانختلف عنكم
من حيث حب السلام ونبذ العنف ، ان ارواحنا ميالة الى ذلك وان انصار السلام في
بلادي عدد النجوم ، ونحن لسنا دوابا او جمالا لاتفقه بسوى هضم الاشواك ، نحن
والله حلوين لولا اننا ضحايا مشاريع تجارية تسليحية وتوزيع ضروس لمناطق نفوذ "
ولولا المزعجات من الليالي .... لما ترك القطا طيب المنام ِ " اقسم بأحمد
الصافي النجفي بأننا ابرياء كما ولدتنا امهاتنا . ان أحد زملائي من الذين يبدون
سذجا قد دافع عن فكرته متسائلا أي منا يمارس العنف انتم ام نحن وقصد بذلك تورط
بعض الشركات من بعض الدول الاسكندنافية ( سابقا وحاضرا ) في بيع الاسلحة الى
بلداننا لا حبا في سواد العيون لكن لحنين مصرفي واشواق بنكنوتية .... ان
عوائلنا واطفالنا وتنشئتنا عموما وحتى امزجتنا هي انعكاس لواقع متخلف ... ان
الخروج من مملكة الحيوان  الى الرحاب الانساني التحرري مايزال يراوح في عنق
الزجاجة مختنقا مرة متنفسا الأريج مرة اخرى . وأما مايزيد الطين بلة أي عدا
الهم السياسي والاحتراب مابين القوى اياها ، والتخلف والمضادات الحضارية من
تناحرات بدوية وعشائرية وطائفية وشللية وفئوية وحلقية وحزبوية وابوية وطوطمية ،
هو ان نبتلى بدكتاتورية مغرمة بحب الممنوعات وتعشق تسويغ ( لا ) على ( نعم )
وممنوع على مسموح ، وأكره على احب ، ، مغرمة برؤية الدم لا الورد والحرمان لا
السعادة وكم الأفواه لا حرية الرأي والتجويع وخلق الأزمات لا مجتمع الرفاهية
وحق الاختيار ... اين هم الأطفال في جحيم عوالم من هذا النوع ومن هو المسؤول أي
الكيان المصدر للكوارث ومن هو المستورد والمستفيد ؟ من الرابح من الصفقة ؟
الشعوب ام السلطات الاقتصادية وخدامهم من الاذناب ؟ وهنا فتحت الاستاذة الباب
على الاسئلة والاستفسارات :
- ها انت ضد العنف .... وقد تحدثت عن جبروت وهيمنة والدك عليك حتى الانهيار
العصبي الذي اصبت به ... افهم من ذلك انك لاتضرب أطفالك .
- انا لا اضربهم على الاطلاق
- لماذا ؟ اقصد كيف تبرر ذلك ؟
- انا لا اضربهم لا لأن النظام الدانماركي الانساني يمنع ذلك ... انا ضد العنف
لأنني ذقت بلواه ... أنا ضد الدموع وكسران الخاطر . انا مع سيجموند فرويد الذي
يدعو الى الاعلاء أي ان عظمة الانسان تكمن في ان يرقى على حالته ... اذا جعت
يوما لاتحرم الجوعى من قوت ! بل اسعد الناس ... الحياة جميلة تستحق الرعاية
وتنهض وتشاد بالمحبة ... اذا عطشت اسق ِ .. اذا حزنت أفرِح ... قدم للآتين ،
للجيل لمن جاؤا بعدك ، قدم  ماحرمت منه .... ماضر من يشعل شمعة لسواه وان كابد
العيش في ظلام ؟ لا لن امس اولادي بالوردة ولا امارس سلطتي كأب ضدهم .... انا
لست بحاجة الى استعراض عضلات ابوّة ما على نملة او قملة ... انا سعيد بالتساوي
في منزلة المخلوقات .... ورحم الله فيلسوفا ناشد طائرا وهو يقول أخي الطير .
افلاطون قال ذلك ام ارسطو طاليس ؟ والله لقد اعطب واقع الحال ذاكرتي ولقد تعبت
" تعبت ... تعبت من الاشواق " على حد قول المغنية الميلاء .
- هل الناس في بلدك من الذين يفكرون على طريقتك كثيرون ؟
- كثيرون وأنا اقلهم شأنا ... وكثيرون ايضا من هم بحاجة الى السلام ... بنو لام
بخير لايعوزهم الاّ الخام والطعام ، انهم بحاجة الى استعادة حالة من التوازن
تنقذهم من احوال الحصار والجوع والحرب والازمات ... أي من الضروري ان اضع
الحصان امام العربة ... أي اعطني خبزا وبعد ذلك اعطني مسرحا وبالتالي اعطيك
شعبا نبيلا ( بريشت ) . نطالب بالخبز اولا وبالتربية الضرورية وفق الخاصة
العالمية الأهم أي السلام .... وحتى يتحقق السلام الأكيد يتحقق ويصان مفهوم
الحرية .... واذا اجملنا الشعار فهو خبز وسلام ... واذا اسهبنا فيه فهو: ( خبز
، سلام ، حرية ، محبة ) ان المحبة بلا سلام مشوبة بالمخاطر ! في بلادي ارضية
للسلام ... وأما منطلقات الحرب فهي منبوذة .... هي دعوة الى مذبحة نحن في غنى
عنها ... ان الجبابرة والاسياد والاقطاع والرأسماليين هم دعاتها والرابحون منها
... لم يستفت ِ أحد ٌ نساء بلادي ولم يُصغ لآرائهن بالحرب ... النساء لايرسلن
بفلذات اكبادهن الى النار ... كما ان الطليعة المثقفة من ابناء بلادي من
ديموقراطيين ومستقلين واممين واسلاميين ومسيحيين وصابئة وايزيديين واديان اخرى
وفئآت عامة متعددة ومعارضة ترفض الحرب رفضا قاطعا .
- مادمنا قد ناقشنا وضع المدرسة في الخمسينات في الدانمارك . هل ان واقع بلدك
الحالي شبيه تماما بذلك ؟
- بل هو أسوأبكثير ... أسوأ لأن واقع العائلة ومكابداتها اليومية هو عامل مقرر
لوضع الطفل في الحياة الدراسية ... ان الوفيات عديدة بين الاطفال ، الجوع مدمر
، المرض متفش ٍ ... الدواء مفقود ! كيف يدرس ابناء بلادي وهم يقتعدون الأرض لا
مقاعد للدراسة ! ولادفاتر لديهم بسبب من الحصار ، ... كما ان ظروفهم قاسية
للغاية تحيل دون تطورهم ... الجحيم بلادي ... على فكرة كيف يستطيع تلميذ ما
الذهاب الى المدرسة يوميا بينما هناك خمسة افراد في البيت يشتركون معه بحذاء
واحد ؟ .
عمت الهمهمات في القاعة بعد ان حدثتهم عن مضمون رسالة وردتني من صديق ما ...
علق البعض بل اتفق الكثير بأن المشاكل في الدانمارك هو ( لوكسس ... أي ترف ) أي
مشاكل كمالية ! ... ياحسرة ... اندفعت الكثيرات من الفواتن ممن لا يحبذن القاء
التحية عليّ صباحا عندما يلاقينني ( من قبيل تحاشي الأجانب ) اندفعن الى توجيه
الأسئلة اليّ ... الى التعاطف مع قضيتي ... مشيرات الى جهلهن بمايدور في بلدان
اخرى وان البعض منهن يتصورن تواجدنا هنا هو من قبيل تحصيل المبالغ وتجميعها
واننا علق ماص لدم الاقتصاد ... ترجمت لهم بعضا مما ورد في الرسالة التي تشبه
رسائل آلاف الناس الذين يستطيعون ايصالها الى خارج البلاد ... لقد شبهت احدى
السياسيات البرلمانيات ( وهي لاتمثل الأ مجموعتها في البرلمان ) بلدها
الدانمارك بقطعة الكيك وأما الاجانب والمسلمون خاصة فقد شبهتهم بالسم المبثوث
فيها . تألمت لذلك مما دفعني في اليوم التالي الى القيام بترجمة الرسالة وطبعها
وتكثيرها وتوزيعها عليهم راجيا اياهم مقارنة الأفكار الجهنمية لبعض السياسيين
هنا بعذاباتنا هنا او هناك : طبعا استميح قارئي عذرا بأني سأورد الرسالة هنا
بأخطائها من حيث التعبير او النحو ... الرسالة : " بسم الله الرحمن الرحيم ...
حضرة الصديق العزيز حفظك الله ياأبا ( ...... ) المحترم . حبيبي ... أنا وكل
اسرتي نبعث لكم احلى واطيب واكبر التحيات القلبية مع الامتنان لمواقفكم وموقف
اختنا العزيزة ام ( .... ) الطيبة .. آزرتمونا في الصعاب جزاكم الله كل خير
وحفظ لكم الحبيب ( ..... ) و... و... و ... / ايها العزيزين : والله انا خجلان
جدا من عازتي واعتذر على ارباككم وانتم في الغربة ، ولكن حالتي وعائلتي لاتوصف
متعبة للتعب مؤذية للأذى والألم ، اصبحنا نبكي البكاء بدون مبالغة . ناهيك عن
الجوع وأذيته ، اتذرع لله ان لايكون موقفي ضعيف امام عائلتي . آخ ... آخ 
الحياة صعبة ومرة ومرة الى كطع النفس . أصبح الاب وأولاده بحذاء واحد ، وعدم
تمكني من شراء الملابس الداخلية ... هل تعلم اني بعت ماكينة الخياطة وأيضا غرفة
أُم ( ....... ) البنين ، وبهذا الشتاء سأبيع ( صوبتي ) المدفأة كي اتبضع
لابضاعة انما أكل للعائلة . صفيت انا والفرش والصور والحمد لله ، لكن السكن هو
الأهم ... اصبحنا بلا سكن أي لاجئين في الشارع هل تعلم ( ارجو ان تعلم ) وبعد
التعديلات لانقاذي مبادرة طيبة من ابو (...... ) ونحن في بيته الآن بغرفة طول
2متر وعرض 3 متر ولمدة شهر فتصور ياأيها العزيز ... من القهر والأُف سيخرج قلبي
من فمي ... الى متى سأبقى هكذا ... أكثر الرجاء هو ان لاتكطع بي ّ لأني بعد
اجراء عملية القرحة تقاعدت ولم استطع ان اعمل ... لازمتني اعراض فقر الدم
وانخفاض الضغط مع تنمل ورجفة بكل جسمي وتصبب العرق من رأسي حتى قدمي والله
المشافي ... الظروف صعبة والله لايريك ما رأيناه وان يسعدكم بعز وخير وشكرا على
استماعك لوضعي .... ( ..... ) ... وفي الختام سلام " .
نجحت في كل امتحاناتي البليدة وانشغالاتي هذه التافهة او المريرة .... ذهبت
ادور على الأصدقاء كيما استدين مبالغ لاطاقة لي على سدادها الاّ في ظرف عام او
عامين .... درت ودرت ولا أزال أدور ... المبلغ كبير ، والافق غائم والقلب غائم
أيضا ..لكن البصيص لايموت بل محال ان يموت ... المهم أن يجد الناس سقفا لاغماضة
جفن ، ثوبا يستر العري ، طعاما لكل فم ، دواءا للمريض ، وكما قال هذا الصديق
العزيز .. " والله المشافي " وحتى يشفينا من الداء الوبيل ... جيب ليل واخذ
عتابه .
                                  كتبت عام 1988
          ************