احتفاليتي بالجواهري الكبير ... قصيدة رقم 4
أبا الفرا تين

 خلدون جاويد

مقدمة لا بد منها : ادناه قصيدة من أيام الحنو على ديوان الجواهري ( الرباعية )
تجسد ( الحنو ) الشاعرة الخنساء :" نزلنا دوحه فحنا علينا ..... حنو المرضعات
على الفطيم " . حقا فلقد كنت كسير الظهر على الديوان احاول الحفظ منه وأدعي اني
قرأت الدالية الجواهرية " يا بن الفراتين قد أصغى لك البلد .... زعما بأنك أنت
الصادح الغرد " حتى الفجر وبتصوف مرير اذ الهج واهمس بألابيات واشدو بها حتى بح
صوتي . لقد نشف قلبي مرتين مرة لأن كل ماقيل في قصيدته لم يتحقق مع الزمن ،
ولأني أيضا عارضتها بقصيدة في اليوم التالي وبذات الدروشة والهلوسة فلم تكن سوى
قصيدة مجهضة بآمالها على أرض الواقع وذلك لثقل الدمار السادي والساري على الشعب
العراقي . وكان هناك بصيص من الأمل والتعويل على المستقبل لكن والى متى والبعث
جاثم وصاعق وخارق ... ظلت القصيدة محرجة خجولة ازاء ذاتها وجوهرها وأحلامها
وظللنا نحن الحالمين مجرد قارئي فنجان لولا ان المتغيرات الأخيرة هي ذاتها التي
هدمت الجدار ! ولو كان هناك عشرين الف حزبا معارضا لما زحزحوا جدارا لا يزال
يرمي كتل النار من مجانيق الموت علينا فأي قلعة دمار هو البعث في دمويته
وحرائقه وتدميره . ليس بالقصيدة وحدها تتحرر الأوطان ، ومع ذلك فلا بد من ان
نكتب ونرسم الآمال :


أبا  الفراتين   ماأصغى  لنا  بلد
ولا تسائل   عن   أشتاتنا    أَحَدُ
أبا الفراتين من  أضغاث  نائمة
أن  يستعاد  الى   أحضانها   ولدُ
ونستجير بذي سلوى   يقاسمنا
كأس المصاب فلا يرضى   ولايعدُ
من شاء يحتُّر لم يشرب  سوى دمنا
بل شاء  من عمقنا  المكلوم يبترد
وللسقام       أفانين    ينوء    بها
أمس  الزمان  عليل  دونهن   غد
على الفراتين  شوكاء      تخايلنا

بالدوحتين     فلا   مهد    ولا لحد
بل ديف من بلغة الأحلام  منتجع
للآجئين     خياما    مالها    وتد
وقد  أرحنا  ركابا   من     مناكبها
ترباء جوفاء    مافي قعرها    ثمد
تلك   السفائن  ماركَّ  السفار  بها
لولا ربابنة في    الريح   ماصمدوا
نمنا على الثلج لم ننضح سوى عرق
وهم بأبهى قصور الشمس ، وارتعدوا
راحت تدور  الى  قاع       تنازعه
شمّاء حين   اصطلى في جيدها  مسد
نبض الغريق   على أثباجها    بدد
لا    السندباد    ولا      الواحه     تفد
***********
أبا الفراتين    لاغادرت عن  مدد
في صوتك العزم لا في صمتك   المدد
على الفيافي سراج الفكر   منطفيٌ
حزنا  ومن    دمك     الوهّاج   يتّقد
لاتدّخر جمرة أُخرى   فأن   يدا
تعلي جبينك فوق   الجمر  تستند
ومن جديدك ان  لم  نتقِّ    أزلا
سدى على نصلنا    يستنزف الأبد
قم نادِ كوفتك الحمراء ان رقدت
واستنهض الصيد والأفذاذ لو قعدوا
واستنهض الحجر الغالي تقاذَفه..
أقوى من السيف في قدس النضال يد
************
من سيب فكرك هذا الهائج الكمد
ونفح  روحك   هذا المائج   الحرد
ووقع اسمك لو أطلقت لاعجه
أعتى الطواغيت في الكرخين ترتعد
قم حرّك الشمس من تابوت غفوتها
ولتنقشع  ظلمة   وليندحر      نكد
مادق      بابك   عملاق به  غَلَقٌ
وفكّ    رسغك   قيد  جائر صلد
الاّ لتغدو  على    البركان   أغنية
وأنت    بالفوهة   الحمراء   تنفرد
*************
أبا الفراتين   ياشعبا   ينام   على
جمر الهجيرة   لايحظى بما  وعدوا
لم يروِ  قلبك سفاكين   ما سفكوا
وسلخ ظهرك جلادين  ماجلدوا
أضحت سجونك لاتُدرى لها طرق
مثل المشانق   لايحصى لها عدد
والقائمون على بلواك   من   صَلَفٍ
غول بهم نَتن،مرضى   لهم عُقَدُ
ماكالعراق  قميص      للدماء   لنا
هو القتيل ونحن النزف والضمد
يستنزلون  رحيق الفجر    من فمه
مجوّعا   دونه     الشذاذ  تزدرد
أبا الفراتين   يا شعب  العراق لقد
حوصرت لا منحنى يرجى ولا نَجد
فلتمتشق سيفك المخبوء في حفر
يرقى   على  حدّه  للشمس معتقد
الدرب أخضر لا روح لنا أنحطمت
ولا   تسفّل    عن    بنيانه   جسد
تموز يخطر في الزوراء يثخنها
حقدا     ويقرع     ناقوسا  ويحتشد
وللسفوح  ومهما   اهتزّ   عارضها
ورد  يفوح    و آمال      بها  جدد
يظلّ شريانك المفتوح مختضلا
بالنزف    يعجز    عن ايقافه   الأمد
كالبحر في صدره ماجت قراصنة
ولا    يطيق     على     قيعانه  أحد
***********
صبرا على ظلم من جاروا ومن حقدوا
وجمرة    من غد   أعتى  لمن بردوا
ورشفة  من   ثمالات    نضام    بها
يوما   لنثخن    بالغسلين   ألف عدو
يادرب  تموز   في مثواك     معتمد
يرجى   وفي كتفك  المكسور مستند
وللطريق   جياد      في     أعنّتها
سبق  وفي خطوها   العملاق   متّقد
عتب على الجلّ من فرسانها افترقوا
فيما نكابد من عسف وما اتحدوا
يستأثرون    عطيّات     بنا      أنف
منها ومن شلوها المرذول نحن بدو
أحرق بروحك ياتموز من رخصت.
أرواحهم واقتعد في النار من فسدوا
" أن العيون التي   في طرفها حور"
هي العيون  التي في عمقها الرمد
************
قم صلّ ركعتك الاخرى لمن شهدوا
هلال  تموز   بل سبّح لمن فقدوا
واشفق على النجمة الشقراء يسلخها
عن هام بغداد ذاك الواطئ   الوغد
قف لاتجاذب بليغ القول في صدد
قرصان أمسك لا حلم   ولا صدد
هم  المناكيد   شذاذ فما      وثقوا
بما    تجاهد   في    نبل   وتعتقد
حشد على دربك القاني عقود دم
حتى "تهون على   النفّاثة  العقد"
فالراحلون   بلا مستقبل،     طللا
صاروا وأشباح ليل في اللجوء غدوا
هذي الجحافل لو ناديتها    امتثلت
وذي العواصف    لو خصّبتها    تلد
حبلى بما أجهضت في دربها  أحد
وذو صباح على بدر  النضال  غد
لايرعبنّك   أن  الغيم    ذو      غمد
من داكن الغيم سيف الشمس ينجرد

*نشرت في جريدة النداء اللبنانية -14/7/1990